عوالم متوازية في مركز زيكو هاوس للفن
اختلاف الأساليب الفنية يروي قصصنا في الحياة بألوان غير متشابهة
١١/٠٢/٢٠٢٢الجمعة
ميموزا العراوي
قدم "غاليري آرنيلي" معرضا فنيا جماعيا بعنوان “عوالم موازية” ضم ما يقارب خمسين عملاً فنياً، تعدّ بمجملها مداخل مختلفة لحالات وتجارب إنسانية ووقائع تمزج بين الجماعي والفردي، وتعكس رؤى فنية متنوعة للحياة وتفاصيلها
عوالم متوازية هو عنوان لمعرض جماعي ينعقد في “غاليري آرنيلي” في الفترة الممتدة من العاشر من فبراير الجاري إلى الثامن عشر منه، ويضم مجموعة من الفنانين التشكيليين المتعددي الوسائط، وهو أيضا معرض من تنظيم ثلاث جهات تعنى بالفن وهي أولا “زيكو هاوس” بصالته وتجهيزاته في منطقة الصنائع في بيروت، وهو مركز عريق تعرض لصعوبات عديدة خاصة خلال العشرين سنة الأخيرة ولكنه بقي صامدا أمام شتى أنواع الانهيار التي مر بها البلد وكان يقوم من حين إلى آخر بتنظيم أمسيات ثقافية ومعارض فنية لافتة وعروضا لأفلام مهمة
أما الجهة المنظمة الثانية فتتمثل في صالة “آرنيلي آرت غاليري” الافتراضية التي أعلنت اهتمامها من ناحية بدعم المواهب الفنية اللبنانية والشرق – أوسطية، ومن ناحية ثانية تقديمهم إلى مقتني الفن في لبنان وسائر دول العالم
وجدير بالذكر أن مؤسسة الغاليري الافتراضي والقيمة عليه هي دزوفيغ أرنيليان التي هي أيضا شخصية موهوبة ويافعة، ومتحمسة للفن وشؤونه
أما الجهة الثالثة فتتلخص بشخص منار علي حسن التي يمكن اعتبارها عرابة للفن. ويكفي الاطلاع على صفحتها الفيسبوكية التي تفرض ذاتها على الساحة كمنصة جدية تنم عن معرفة وحساسية تجاه ما يجب أن يسلط عليه الضوء من مواهب فنية مختلفة في الأساليب والمضامين. وما يميزها أيضا أنها تلتقط المواهب الفنية وتروج لها، حتى تلك التي لم يسبق لها أن أقامت معارض فردية
وكانت حصيلة هذا التعاون الثلاثي ولادة معرض “عوالم موازية” الذي قُدّم رسميا للمهتمين بالفن بهذه الكلمات في الأعمال المعروضة، استخدم الفنانون الاثنا عشر أساليب وأدوات فنية للتعمّق في ما هو أبعد من حدود المرئي والظاهر. ولا تقتصر الوسائط الفنية المستخدمة على اللوحة فحسب، بل تشمل الكولاج والنحت حيث يتجلى الجسد في معظم الأعمال، ويكتسي بمعان اجتماعية لا متناهية. وتحمل الأجساد مفاهيم معقّدة، حتى حين تجاهر بهشاشتها، فإن هذه الهشاشة تصبح الدليل الوحيد على وجودها ولو أنها تنكأ ضعف الجسد نفسه أو تلاشيه
ويقدّم المعرض مناخات معاصرة متفاوتة، قد لا تتلاقى بشكل مباشر، إلا أنها تقدّم مجتمعة في فضاء “زيكو هاوس” مقاربات متنوّعة للمكان والجسد والتقنيات الفنيّة
ويوضح البيان التعريفي بالمعرض أنه عبارة عن بوّابات لوقائع وتجارب متميّزة تختلف في الجوهر، لكنّها مشتركة وضرورية للوجود البشري. تمتدّ الأعمال الفنية إلى ما هو أبعد من حدود انتباهنا، وتشير إلى وجود أكوان منفصلة لا تُعدّ ولا تُحصى.. وتعبّر لغة الفنانين البصرية عن المشاعر والمفاهيم المعقّدة البديهية، وهي أشبه بقصّة رمزية من الأشكال والألوان التي تربطنا بأجسادنا ومجتمعنا وبيئتنا
خمسون عملا فنيا لاثنى عشر فنانا متعدد الوسائط، بعضهم يتميز بقيمة فنية عالية وعلى مستوى عال من النضج وبعضهم الآخر على مشارف التحدث بصريا بنصوص مشوقة تخصه وحده وتحمل إمضاءه
والفنانون المشاركون هم عبدالرحمن نعانسه، أماني حسن، كلوي صفير، دزوفيغ أرنيليان، غايا ماريا نجيم، إيمان الطفيلي، جوني سمعان، كريكور أفيسيان، ليا حلو، لودي صبرا، نورا بكّار وبول مرعي
وسيختتم المعرض في الثامن عشر من فبراير بعرض لفرقة “من الشعب” تضم موسيقيّين وفنّانين بصريّين وممثّلين وكُتّاباً
وجدير بالذكر أن صالة “زيكو هاوس” لها باع طويل في نسج عوالم ثقافية متنوعة تحيط بالعديد من المعارض التي نظمتها وتضمنت سابقا ورشا فنية ومحاضرات مفتوحة للنقاش
وتبرز بعض الأعمال الفنية في معرض “عوالم متوازية” على أنها بالغة الخصوصية وقادمة من شذرات مشاعر عميقة عن العالم الضيّق المتمثل في أشياء المنازل البسيطة التي هي جواهر تنضح بذكريات وتستجلب مشاعر كثيرة يحار المُشاهد أمامها ولا يدري إن كانت تتحدث عن احتضان لحاضر قريب لا يزال في المتناول أم هي نوع من رثاء يسبق الفقد بكثير
ومن تلك الأعمال ما قدمته الفنانة أماني حسّان التي قالت إن” شخصيتنا تترك بصماتها في كل تفصيل من أثاث المنزل مما يجعله عالما قائما بذاته يمتلك شحنة عاطفية وذاكرة خاصة مُشبعة بالحوادث والتواريخ
ومن هؤلاء الفنانين نذكر أيضا ليا حلو التي جعلت من فنها أشبه بتدفق خطوطي – لوني يمتزج إيقاعا مع الوقت ببطئه وسرعته
ونذكر أيضا من ضمن هذه المجموعة الفنانة كلوي صفير التي تحاول من خلال فنها الغوص في متاهات العالم الخاص في علاقته بالمحيط القريب الذي لأجل ذلك أصبح مجموعة من الإشارات البصرية تومض وتنطفئ، تخفي وتظهر مداورة
أما المجموعة الثانية من الفنانين فأرادت بناء مواقف واضحة ومركبة من وجود الإنسان وما يترتب على ذلك من صراعات داخلية تخفت وتيرتها حينا لتشتد حينا آخر. ونذكر من هؤلاء كفرد ومن ضمن الجماعة الفنان التشكيلي السوري جوني سمعان ذا النص البصري الذي يتمتع بنضوج ملفت وقدرة على تظهير المشاعر الأكثر كآبة في زخم لوني لا تقشف فيه. ونذكر أيضا الفنان بول مرعي الذي تمتع نصه الفني بزخم ملحوظ وقدرة على نكء الجراح الإنسانية المعاصرة
وتتكون المجموعة الثالثة من الفنان كريكور أفيسيان والفنانات نورا بكار ودزوفيغ أرنيليان وغايا ماريا نجيم، وهؤلاء يمكن اعتبار أعمالهم التشكيلية استفزازية بدرجات متفاوتة. وهي أعمال تطال الإنسان وعلاقته مع الجنس الآخر ومع البيئة المحيطة حينما تكون عدائية أو ملوثة بالفساد
أما الفنانتان لودي صبرا وإيمان طفيلي فأعمالهما هي مجموعة اختبارات مع الألوان والمواد المختلفة وتلازمها وتحاورها مع مواد أخرى عبر إنشاء نص فني متماسك. وفي حين تقدم الفنانة إيمان طفيلي نصا حواريا يجري على الدوام بين امرأة ومدينتها تسعى الفنانة لودي صبرا لاستنطاق المواد المختلفة والألوان لتكشف عن مواطن قوتها وضعفها
ومن المشاركين في المعرض نذكر أخيرا وليس آخرا الفنان عبدالرحمن نعانسة الذي قدم أعمالا فنية أظهرت عشقه للخط العربي وقدرته الدائمة على التجدد. وبدت أعماله عبارة عن بناء متماسك يرتصّ وينفتح على فضاء الصفحة البيضاء بإيقاع لافت رغم تماسكه الشديد لم يفقد حساسيته ولا رهافة تعبيره
ويمكن القول إن “عوالم متوازية” معرض لبناني بنى جسورا فنية بين أساليب وهواجس مختلفة ليشيد بذلك ما يصلح لأن يكون وطنا حاضنا لشتى الاختلافات التي تدرك كيف تكون مغايرة ولكن غير عدائية لبعضها البعض
Link to article: عوالم متوازية في مركز زيكو هاوس للفن | ميموزا العراوي | صحيفة العرب