الحالة الانسانية - النهار

الحالة الانسانية معرضا جماعيا ل 15 فنانا من جيل الشباب

ظاهرة فنية ستكون لها مكانتها في الحركة التشكيلية اللبنانية

الدكتور محمد شرف 

1/05/2023

annahar arneli art gallery

 

 حـيـن قـرأنـا عـنـوان الـمـعـرض الـجـمـاعـي، المسمّى "الحالة الإنسانية - The Human Condition "، لدى "غاليري أرنيلي" ويضمّ أعمالاً لـ 15 فنانًا شاباً، كان أول ما خطر في بالنا رواية أندريه مالرو الشهيرة ذات العنوان نفسه. يروي الكتاب قصة مجموعة من الثوار الشيوعيين، الذين كانوا يستعدون لانتفاضة ضد الحكومة، في مدينة شانغهاي، العام 1921. تكمن خصوصية هذه الرواية في حقيقة أنها تجعل وعي العبث يتعايش مع يقين القدرة على الانتصار على القدر، بفضل التزام التاريخ .الرواية، الواقعة في انسجام وثيـق مـع زمـنـهـا، أراد مـالـرو من خلالها ممارسة فعل الكتابة كي يتعايش مع زمنه، ويتخطى أزماته، وليجسّد نهاية الرأسمالية الاستعمارية، وولادة قواعد جديدة قائمة على "الخسارة" وخيبة الأمل، ولكن من دون الوقوع في الياس.

 

لا يغيب عـنـوان الرواية عن القائمين بـالـمـعـرض، بـل هـو أسـاس في اعتماد التسمية. وإذا كـان ثـوار شانغهاي يستعدون لانتفاضة مصيرها مجهول، فإن الفنانين الـ 15 يحاولون التعاطي مع حالات إنسانية موزعة بين الفرح والحب والألم والمعاناة والولادة والموت، وما يمت إلى ذلك كله بصلة، في أتون حياة صرنا ندرك كيف تبدأ، ولا دراية لنا بما ستؤول إليها مجرياتها، في عالم يتخبّط بين الأمل واليأس. حـال البلاد في الفترة الحالية، بتشعباتها وفصولها وتفاصيلها، تؤمن المنابع الذهنية لهذا النوع من المعالجة، مع العلم أن الذات الفردية قد تكون دافعًا مستقلاً إلى إنتاج الأعمال المعروضة. لكن هذه الذات ليست منفصلة عن المحيط، وليس من الممكن أن يعيش الفرد ضمن جزيرة مغلقة وسط محيط هائج، تبحر فيه السفن بمشقة بالغة.

 

هذا المعرض هو من تنسيق الناشطة منار على حسان، التي بذلت جهودًا واضحة في هذا المجال، أمّا الفنانون المشاركون فيه فهم: آية أبو هواش، دزوفيغ أرنيليان، إليزابيث هفتي – خوري، جوانا رعد، كريكور أفيسيان، لودي صبرا، ميساء خوري، ماري كعدي، مارال دير بو غوصيان، موشيغ كارافارتانيان، نورا بكّار، سركيس سيسيليان، طارق صعب، توفيق ملحم، مع تركيز خاص على أعمال الفنان جوني سمعان. يشارك هؤلاء بأكثر من 60 عملاً فنيًّا تتنوع بين اللوحات التصويرية، والوسائط المختلطة، والأعمال الورقية والتصوير الفوتوغرافي، والمنحوتات والشعر والفن والفيديو.

 

انطلاقا من عدد المشاركين، والمروحة الواسعة لطبيعة الأعمال المعروضة، يمكن القول إن معرض "الحالة الإنسانية" يمثل ظاهرة فنية ذات أهمية واضحة في الوقت الحالي، لما تتضمنه من طاقات فنية شابة، ستكون لها، من دون شك، مكانة في تحديد بعض الملامح الفنية اللبنانية المستقبلية.

 

يستأثر جوني سمعان بحصة وازنة في المعرض، وهو يمرر قصصا حياتية مألوفة بشكل جلي، بدءا بتلك المرتبطة باليوميات الحميمة إلى تلك التي يمكن إسقاطها على حالات عامة يرتبط معظمها بالشعور بالخسارة وويلات الحرب والنزوح. إلى ذلك، تصوّر الأعمال، بالقدر نفسه، رثاءً مؤلمًا، وتحية مرتبكة لسخافة التجربة الإنسانية. ولا شك في أنّ سمعان يحدد أعماله كشكل من أشكال البحث، من تجربة تقنيات إلى محاولة الإجابة عن أسئلة تتعلق بنسيج العالم، وروحانية الوجود، والمادية التي تجعلنا بشرًا. أما أحد الجوانب الأكثر لفتًا للانتباه في أعماله الفنية، فيتمثّل في قدرتها على نقل الكثير من الحنين والحزن، في حين تبقى وجوه العديد من شخصياته من دون ملامح محددة، تتجسد في خطوطها وحركاتها وألوانها، جملة من الأحاسيس المتغيرة والذكريات.

 

الحميم

تقع أعمال المعرض تحت عناوين عريضة. أول هذه العناوين هي الحميمية، التي قد تشير إلى ضعف مقصود عن طيبة خاطر، وتتضمن دعوة لمشاركة العاطفة والفكر، أو ما هو خاص مع الآخر من الناحيتين الروحية أو الجسدية. العلاقة الحميمة هي دائمًا عرض جريء للذات، وتحت هذا العنوان نرى أعمال دزوفيغ أرنيليان (هي في المناسبة مؤسسة صالة أرنيلي – مكان العرض). تعمل أرنيليان على موضوعات تتعلق بأدوار الجنسين والمرأة خصوصًا. في نتاجها يدمج الفن الكلاسيكي لعصر الباروك مع التعبيرية المعاصرة، وتثير لوحاتها مشاعر الشهوانية والحب والخصوبة واللإلفة، كما تختلط هذه المشاعر أحيانًا بالغضب والنهج المتمرد الذي ينتقد المنظور السائد لجسد المرأة وحياتها الجنسية. الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في مجموعة أعمال دزوفيغ هو التصوير الجريء للموضوعات والمشاهد التي غالبًا ما تصدم الجمهور بحساسيتها وحميميتها وضعفها.

 

تحت الحميمية تندرج أيضًا أعمال الفنانة الناشئة آية أبو هواش، التي تتأثر ممارستها الفنية بهويتها كمرأة فلسطينية- لبنانية. ترسم أعمالاً تصويرية تتناول موضوعات الصورة الذاتية والحميمية والعواطف ومعايير المجتمع. وغالبا ما يظهر في لواحاتها أشخاص عاطفيون أو مفرطون في التفكير. وبالاستناد إلى السياسة والتاريخ والاتجاهات الإعلامية، تبتكر الفنانة لوحات ورسومات ووسائط مختلطة متجذرة في النقد المجتمعي والفكاهة المرّة. أما إليزابيث هفتي – خوري فهي فنانة وكاتبة تجريبية ومفاهيمية بريطانية- لبنانية، وأعمالها مستوحاة من خلفيتها الأكاديمية في مجالات اللأدب والتاريخ والأساطير، وهي تعمل على دمجها مع القضايا و الأفكار المعاصرة ضمن أشكال بصرية مجرَدة. إلى ذلك، تبدي اهتمامَا بالتقاطع بين الصور والنص، لا سيما بالتأثير المتبادل بين النوعين، والعلاقة التي تجمع بينهما.

 

التصوير الفوتوغرافي، الذي نرى أمثلة منه في المعرض، هو الهم الفني الأساسي لدى طارق صعب، حيث يعالج موضوعاته الشخصية والاجتماعية بلمسة معاصرة، قائلاً: "إنّ التقاط صورة يعني ترجمة شعور في لحظة حرجة. هذا هو الهدف الرئيسي في جلسة التصوير الخاصة بي. أهدف إلى رواية القصص الوفيرة التي أثارها خيال المشاهد. بالنسبة لي، هذا هو جمال التصوير الفوتوغرافي، إي أن نغوص في بحر عميق من التخيلات حيث تصبح أنت راوي القصص فقط." ميساء الخوري، الحاصلة على ماجستير في الفنون البصرية، نرى أعمالا فوتوغرافية لها أيضًأ، حيث تنصرف إلى وسائل التصوير الفوتوغرافي والرسم مع القليل من الكتابة.

 

طفولة

تحت عنوان "طفولة" تندرج أعمال جوانا رعد، وهي فنانة لبنانية متعددة التخصصات. إذ تعمل كمصممة/ مديرة فنية محترفة، على العديد من البرامج والمسلسلات التلفزيونية الشهيرة والإعلانات التلفزيونية ومقاطع الفيديو الموسيقية والأفلام القصيرة والمسرحيات. أصبح شغفها بالرسم احترافيًّا في شكل تدريجي، ويترافق بحثها الفني مع إعادة بناء الماضي وتجميع المحفوظات. أعمالها لونية بامتياز، ومعقودة على حرية في الرسم. لودي صبرا فنانة لبنانية تستخدم مواد متنوعة مثل الأقمشة والأوراق والخشب والحديد والأسلاك والرمل، وتهدف إلى التعبير عن مشاعرها المختلطة حول الحياة نفسها. من خلال إنشاء تركيبات ديناميكية وعشوائية، لكنها منضبطة للغاية وتمثل شغفها المستمر بالطبيعة والفن والوجود البشري. من خلال عملها القوي والمزيج المثالي من الوسائط، تبعث الحياة في المساحات المهجوؤة لروح المشاهد.

 

الهوس المرضي

الفن "المهووس" هو نوع يستكشف موضوعات الموت والانحلال والمواضيع المظلمة الأخرى، التي يمكن اعتبارها من المحرّمات أو باعثة على الإزعاج. هذا النوع من النتاج يتضمّن، غالبًا، صورًا للجثث والهياكل العظمية والأشباح وعناصر مروّعة أخرى، وقد تكون مستوحاة من أدب الرعب أو الفن القوطي أو الأيقونات الدينية.

في حين أنّ بعض الناس قد يجدون الفن المهووس مزعجًا أو مسيئًا، يثمّن آخرون قدرته على إثارة الفكر، وتحدي المفاهيم التقليدية للجمال وعلم الجمال. قد يكون التفسير ذاتيًّا وشخصيًّا، وما قد يجده شخص ما سيئًا، قد يجده شخص آخر مفيدًا، أو حتى جميلاً. تحت هذا العنوان، تندرج أعمال ماري كعدي، التي تقول: "أحب العمل عبر العديد من الوسائط، وإنشاء طبقات مختلفة من النسيج. لديّ شغف كبير بأعمال الوسائظ المختلطة باستخدام الخشب والجص والنسيج والأسلاك وغيرها من المواد المتنوعة". في أعماق فترة حزنها على فقدان والدها، أنشأت ماري سلسلة من الأعمال الشديدة الوقع تحت تسمية "الموعد النهائي".

إلى ما ذكرناه، نرى في المعرض أعمالاً نحتية لكل من موشيغ كارافارتانيان وسركيس سيسيليان، وكريكور أفيسيان وتوفيق ملحم ونورا بكّار، بالإضافة إلى إسهامات الكتاب المشاركين: زياد جريج، ربيكا وايتينج، روان عز الدين وريما بركات، وتنسجم في مجموعها مع الموضوع الأساسي لهذه التظاهرة.

 

annahar arneli art gallery